تحولات السكن وتاريخ العائلة… قراءة في سرد شفهي يتجاوز نصف قرن

المحاور: بن عبدالرحمن

الضيف: العم الوجيه إبراهيم بوشليبي – بو محمد (الزعيم)


في لقاء يوثق جانبًا مهمًا من الذاكرة الاجتماعية والعائلية، استضاف المحاور بن عبدالرحمن العم الوجيه إبراهيم بوشليبي – بو محمد (الزعيم) للحديث عن مسيرة السكن وتنقلات الأسرة خلال العقود الماضية، وما ارتبط بها من ظروف اقتصادية ومجتمعية شكّلت هوية تلك المرحلة.


جاءت هذه الشهادة الشفوية ثرية بالتفاصيل، وبما تحمله من قيمة تاريخية واجتماعية تعكس طبيعة الحياة في المنطقة الشرقية خلال السنوات التي سبقت الطفرة وما تلاها. وقد تضمن اللقاء وصفًا دقيقًا لظروف السكن الأولى، والتحولات المتتابعة التي مرّت بها الأسرة، إضافة إلى إشارات مهمة حول طبيعة المعيشة والعمل وأثرها على اختيارات السكن.


أولًا: البدايات السكنية… من “الصنادق” إلى أول منزل مسلح


كشف العم إبراهيم تفاصيل مرحلة السكن الأولى التي بدأت بما يُعرف بـ الصنادق، وهي بيوت بسيطة تُبنى من الخشب والصفيح، وتغطّى بأسقف بدائية، وتُستأجر بمبالغ زهيدة.


وقال في شهادته:


“سكنت أكثر من سنتين قبل الزواج… السقف كان خشب وعريش، والدرام يُشق ويُستخدم للتلحيف.”


ومع اقتراب الزواج، بدأ أول تحول حقيقي في حياة العائلة:


“بنيت البيت المسلح قبل الزواج… وجهّزته وسكنت فيه.”


وفي هذا البيت وُلد الابن الأكبر محمد، وتوالت الولادات بعد ذلك حسب تنقل السكن بين المناطق.


ثانياً: التحولات المتتابعة للسكن… خط زمني لعقود من التنقل


قدّم العم إبراهيم وصفًا دقيقًا لمسار التنقل السكني الذي خاضته الأسرة، وهو مسار يعكس الظروف الاقتصادية والاجتماعية في تلك المراحل.


1. الثقبة – مرحلة التأسيس


استقرت الأسرة فيها أولًا بعد الصنادق، وحظي الأبناء الأوائل بالتعليم والسكن هناك:


“قعدنا سنتين في الثقبة.”


2. المزرعة – انتقال مرحلي


عقب الزواج من زوجته الثانية، انتقلت الأسرة لفترة قصيرة:


“سكنت في سلاسل شهرين أو ثلاثة… ثم قضينا سنتين في المزرعة.”


3. الجسر – مرحلة الاستقرار المتوسط


كانت هذه المرحلة علامة على تطور السكن واقترابه من الخدمات والمدارس:


“قعدنا في الجسر خمس إلى ست سنوات.”


4. الحزام قبل التحلية – محطة الاستقرار ما قبل النهائي


تمتلك الأسرة هناك الأرض والبيت الذي أصبح المقر الثابت:


“الحزام… هذا اللي وقفنا عليه.”


وفي هذه المرحلة سكن الإخوة عبدالله، عبدالرحمن، وعبدالعزيز، واستقر بقية الأبناء.


ثالثاً: الولادات ودورها في تحديد ملامح المرحلة السكنية


لعبت الولادات دورًا في تعزيز الحاجة إلى الانتقال، وكان توزيع أماكن الولادة بين الثقبة والمزرعة والجسر والحزام شاهدًا واضحًا على خط التطور السكني. فقد وُلد في الثقبة:

خليل – عبدالله  – خالد - فهد - عبدالعزيز - فيصل ، بينما توزعت ولادات أخرى خلال مرحلة الجسر والحزام، بما يتناسب مع استقرار الأسرة.


رابعاً: العمل بين المصلخ والتجارة… وتأثيره على السكن


تطرّق العم إبراهيم كذلك إلى عمله الطويل في المصلخ، والتنقل بين الخبر والدمام والميناء، وما صاحب ذلك من تغيّر في السكن.


وقال:


“قبل اشتغل في المصلخ كنت عندي لوريا في المينا… شفر جديد.”


كما أشار إلى مرحلة العمل مع مجموعة من الزملاء مثل منت، سعد عبدالرزاق، المذن، وشهاب، ثم مرحلة انتهاء عمله في الجزارة بعد سنوات طويلة:


“وقفت بعد ما راح أمين… كان يشتغل معي أكثر من 15 سنة.”


وتأتي هذه المهنة بوصفها جزءًا من الهوية الاقتصادية للأسرة، وهي عامل أساسي في تحديد مواقع السكن المناسبة خلال تلك الفترة.


خاتمة


يمثل هذا الحوار مع العم الوجيه إبراهيم بوشليبي – بو محمد (الزعيم) وثيقة شفوية مهمة ترصد مسار التحولات السكنية والاجتماعية لعائلة امتدت تجربتها على مدى عقود طويلة. وتتجاوز أهمية هذا السرد حدود الحكاية الشخصية، إذ تكشف عن طبيعة المرحلة الاجتماعية في المنطقة الشرقية، وتطور السكن، والعلاقة بين الاقتصاد والعمل وتحسين الظروف المعيشية.


إن ما قدّمه العم إبراهيم يشكّل إضافة قيّمة للأرشيف الاجتماعي المحلي، ويعكس دور الذاكرة الشفوية في حفظ ملامح الحياة اليومية التي لا توثقها المصادر الرسمية عادة، لكنها تبقى جوهر تاريخ المجتمع وأصالته.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تاريخ عائلة ال جوهر

‎حي العيوني - سكنة عائلات قيادية

نبذة عن سيرة الشيخ سعد بن عبداللطيف العصيل