من انت ؟ جذور وغصون وفروع العائلة !!

نتيجة بحث الصور عن شجرة العائلة
http://www.alriyadh.com/200360
ناصر الحجيلان

برزت في المجتمع السعودي منذ سنوات ظاهرة ما يُعرف بشجرة العائلة التي أخذت في الانتشار بين سكان المدن. وهي عبارة عن خارطة مرسومة بتفاصيل دقيقة تبين أصل عائلة معينة بحيث يبدأ النسب من الجد القديم ثم ينحدر نحو أبنائه. وتستقصي الشجرة عادة البطون والفخوذ والفروع حتى تصل إلى الأحياء من أفراد العائلة. وفي الغالب فإن تلك الأشجار التي ترسم على شكل شجرة لها جذر وغصون وفروع تستبعد المرأة حتى لو كانت حية.
ويلاحظ أن بروز شجرة العائلة هو نتيجة ثقافية لهجرة الناس من قراهم وهجرهم نحو المدن الكبرى؛ ذلك أن العيش في المدينة قد ألغى كثيرًا من العناصر الثقافية التي نشأ عليها الناس في القرى والبوادي. ولعل أبرز العناصر التي فرضتها المدينة على السكان هي الانشغال بالعمل وبمتطلبات الحياة الكثيرة مما جعل التعارف بين الجيران ليس قويَا عند بعض سكان المدن لأسباب كثيرة ليس أقلها عدم وجود وقت كاف للزيارات والارتباطات الاجتماعية.
إضافة إلى أن مجتمع المدينة يحوي أناسًا من مناطق مختلفة ومن قبائل متنوعة بل ومن جنسيات أخرى قد لا تكون مألوفة في مجتمع القرية والبادية. ومع هذا التداخل والتمازج الثقافي بين الناس في المدينة، برز شعور لدى أولئك القادمين من القرى والبادية بأن عوامل تمييزهم قد اندثرت في ظل اشتراك الجميع في مكان واحد؛ وربما يكون ساورهم شعور عميق بالخوف على هويتهم أن تندثر مع هذا الزحام الشديد والتنوع الهائل لانتماءات الناس. فساكن المدينة يجد نفسه في كل مرة بحاجة إلى تعريف نفسه للغرباء على أنه "فلان ولد فلان من العائلة الفلانية التي تنحدر من القبيلة الفلانية". في حين أنه في قريته أو ضمن جماعته لم يكن محتاجًا للتعريف بنفسه إلا بذكر اسمه واسم والده، ونادرًا مايضطر إلى ذكر اسم الجد. وهناك عدد كبير من الناس في بعض المدن يلحقون "ال" باسم الأب أو الجد قبل العائلة؛ لعدم حاجتهم للذهاب بعيدًا إلى اسم العائلة الذي يفترض أن يكون معروفًا من الجميع ويصبح ذكره لا معنى له عندهم.
يشار إلى أن مجتمعنا كغيره من المجتمعات يعطي الانتماء قيمة بارزة، كالانتماء الديني والمكاني والعرقي والقبلي. ولكن مجتمعنا ربما يختلف عن غيره من المجتمعات فيما يتعلق بالتركيز على الانتماء الأسريّ أو القبليّ بشكل واضح وبخاصة حينما يتعلق الأمر بموضوع الزواج؛ لهذا يحرص أغلب الناس على عدم إغفال هذا العنصر الثقافي في علاقاتهم في المصاهرة ويعتبرونه من القيم الثقافية التي يصعب التخلي عنها.
ولأن مجتمع المدينة متمازج، فإن التعرف على انتماء الناس وتمييزهم بشكل دقيق يبدو أمرًا صعبًا. وقد ساعدت بعض كتب الأنساب على تسهيل أمر التعرّف على أصول بعض الأسر، ولكن تلك الكتب لا تغطي جميع الأسر وربما لا يجد بعض الناس فيها الثقة الكافية وخاصة إذا اكتشفوا فيها معلومات تخالف الواقع الذي يعرفونه. ومن هنا نشأت الحاجة إلى وجود شجرة للعائلة تُعلق في البيوت وربما تطبع في كتيبات يحتفظ بها أفراد العائلة.
أما الأسر التي لم تعمل شجرة عائلة لها، فهي - غالبا - الأسر التي لم يهاجر عدد كبير من أفرادها من موطنهم الأصلي في القرية أو المدينة إلى المدن الكبرى. ولأنهم لم يتعرضوا للتثقيف الخارجي في المدينة، فقد انتفت عندهم الحاجة لمثل تلك الشجرة دون أن يعني ذلك بالضرورة التهاون في أمر الانتماء الأسري.
إن تفاعل الناس مع شجرة العائلة يكشف لنا المتغيرات الثقافية التي يمر بها مجتمعنا من فترة إلى أخرى. ويوضح الصراع الفكري الذي يخلقه المكان؛ فالمدينة بمعطياتها المختلفة ساهمت في وضع الإنسان في موضع يشعر فيه بالتشتت في انتمائه لعالمين مختلفين: أحدهما يمثل الماضي الذي تركه، والآخر هو الحاضر الذي يعيشه ويتفاعل معه. وبسبب أن العيش في المدينة الحديثة أمر طارئ على ثقافتنا فإن انعدام الجاذبية التي تتنازعنا بين العيش في واقعين منفصلين هي السمة التي يبدو أنها ستستمر معنا لأجيال. 
ويمكن ملاحظة نتائج انعدام الجاذبية وما ينشأ عنها من صراع في القيم في كثير من مظاهر السلوك السلبية كازدواجية الشخصية بما تتضمنه من نفاق أو كذب أو التظاهر بما ليس صحيحًا؛ وكالتقلب السريع في المبادئ والاتجاهات الفكرية؛ وكالعناية المبالغ فيها بالشعارات على حساب المضمون والتركيز على المظاهر أكثر من الجوهر؛ وتناقض السلوك العملي للشخص مع معتقده الذي يؤمن به؛ وغير ذلك من المظاهر التي يمكن أن تكون ناتجة عن مرحلة الصراع في القيم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تاريخ أسرة ال جوهر

‎حي العيوني - سكنة عائلات قيادية

قصرك عقلك ..