كل الاحترام للاوفياء "ذوي الخبرة"

 كم من الأطباء الذين تقاعدوا ولم يتم الاستفادة منهم؟ لنا أن نتخيل عملهم وخدمتهم للمجتمع من خلال عيادات مجانية وخصوصا في الأحياء المتواضعة أو المكتظة بالعائلات من ذوي الدخل المحدود. 

في أي اقتصاد عنصر إنتاج رئيس ومؤثر، ففي التعليم يعتبر المعلم أساس وقوة التعليم، فمعلم كفؤ وجيد يعني بالضرورة تعليم جيد ومخرجات جيدة، ونفس الحديث ينطبق على الصحة والطبيب، والمشاريع الهندسية والمهندس...الخ. في المملكة، لدينا معلمون أكفاء وأطباء ومهندسون، كثير منهم ينتهي به المطاف بعد التقاعد إلى الركون في البيت والبعد عن أداء أي عمل أو واجب تجاه المجتمع والدولة. 

مع حاجتنا الماسة لعناصر بشرية سعودية مؤهلة ومطعمة بالخبرة والمعرفة، ومع وجود عمالة أجنبية مهولة جلها لا يملك الكفاءة ولا الخبرة المطلوبة، قد يكون من المناسب، بل من الضرورة بمكان أن نعيد النظر في كيفية تعامل أنظمة الخدمة المدنية وأنظمة مؤسسات العمل المدني مع المتقاعدين.

المتقاعدون من معلمين ومعلمات، ومن أطباء وطبيبات، ومن مهندسين ومهندسات وغيرهم الكثير والكثير، كيف يمكن أن نستفيد منهم؟ وكيف يستفيدون هم أيضاً؟ وكيف تتعامل الدول الأخرى مع هذه القدرات والمدخرات؟

دون أدنى شك، عندما يتقاعد الموظف، كل شيء يتغير، المكان والزمان والأهم الشعور، فهو كان يستيقظ كل يوم ليذهب للعمل، كل يوم بالنسبة له يمثل يوماً جديداً، ويعود في نهاية اليوم متعباً ومجهداً نتيجة للجهد الذهني والجسدي، ولكنه – فجأة! – يستيقظ مبكراً ليدرك أنه لا يوجد مكان أو عمل يذهب إليه! شعور جديد ومتغير، شعور قد يتحول إلى الحزن والكآبة والمرض، فبعد النشاط أتى الخمول والكسل والنوم الطويل، وبعد التعامل مع أعداد كثيرة ومتجددة من الناس، قد لا يتعامل إلا مع محيط عائلته أو حتى مع نفسه، شعور غريب، شعور يصعب علينا تصوره وتخيله وحتى وصفه لأن الإنسان لا يعيشه إلا مرة واحدة وبعمر متأخر.

حتى نستفيد من المتقاعد، يجب أن نؤمن ونسلم أولاً وأخيراً بحقيقة ثابته ومؤكدة بأنه ما زال عنصراً منتجاً ومفيداً للمجتمع، قد لا يستطيع الإنسان أن يعمل بالكفاءة نفسها والعطاء كما كان في ريعان شبابه، وهذا متوقع، ولكنه يستطيع في المجمل العمل لجزء من اليوم وبإنتاجية معقولة نتيجة للخبرة والكفاءة والثقة. 

لنا أن نتخيل كيف نستفيد من معلمة متقاعدة، معلمة بلغت سن التقاعد وكبر أولادها وتزوجوا وانشغلوا بحياتهم الخاصة، ماذا تبقى لها، زيارات متقطعة من أولادها، الذهاب إلى السوق في بعض الأيام أو حتى كل يوم، ما هو شعورها؟ ألا يمكن لنا الاستفادة منها في بعض الأعمال المدرسية، قراءة قصص للأطفال، المساعدة في تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة القراءة والكتابة، مساعدة ودعم المعلمات في تجهيز الدروس وتصحيح الواجبات، كل هذه فقط أمثلة لما يمكن أن تقوم بأدائه المعلمة المتقاعدة. 

كم من الأطباء الذين تقاعدوا ولم يتم الاستفادة منهم؟ لنا أن نتخيل عملهم وخدمتهم للمجتمع من خلال عيادات مجانية وخصوصا في الأحياء المتواضعة أو المكتظة بالعائلات من ذوي الدخل المحدود. هناك عدد كبير من الأطباء والطبيبات المتقاعدين، بل وحتى العاملين، من يبارك ويدعم مثل هذا العمل. 

وما قيل ينطبق على المهندسين بمختلف تخصصاتهم المعمارية والكهربائية والإنشائية والميكانيكية والكيميائية والمدنية، فهذه الفئة من المتقاعدين يمكن أن تدعم أعمال الصيانة والتوسعات في المدارس والمساجد وغيرها.

في الدول المتقدمة، تجيز وتشجع وتنظم وتراقب أنظمة الخدمة المدنية التعامل مع المتقاعدين، وذلك بالاستفادة منهم في جميع المنشآت الحكومية، في المدارس، في الجامعات، في الإدارات الحكومية، في المستشفيات، في العيادات والمراكز الطبيبة وغيرها من المنشآت الخدمية، فليس غريبا أن ترى وتتعامل في هذه الدول مع موظف يقدم نفسه على أنه متعاون (VOLUNTEER)، وغالباً يتحلى هذا النوع من فئات المجتمع بالصبر والحلم وسعة البال وحب المساعدة للعميل أو المراجع. 

ومع هذا كله، ومع وجود مثل هذه الترتيبات في دول أخرى، ما زال المتقاعد لدينا بعيداً وغائباً، يعيش في عالم آخر، فكيف نغير هذا الواقع؟

مع ما يحتاجه نظام الخدمة المدنية من تحديث ونقلة نوعية نظير التغيرات والتطورات، وخصوصاً فيما يخص سلم رواتب موظفي الخدمة المدنية العام، وحقوق وواجبات الموظف وأنظمة المكافآت والعقوبات، وأنظمة وإجراءات التعيين، وخصوصاً المراتب العليا، فقد يكون من المناسب العمل على إضافة نظام يعنى بالمتقاعدين – نظام التعاون مثلاً. ومع ما يتم طرحه ودراسته في بعض القطاعات الحكومية وجهود ومحاولات جمعية المتقاعدين فيما يخص الاستفادة من خدمات المتقاعدين أو مبدأ التعاون. 

مرة أخرى وعاشرة، يمكن الاستفادة من المتقاعد، وهو حتماً أفضل بمراحل وبل بدون مقارنة من بعض العمالة الأجنبية غير المؤهلة، كما أنه مساعد وإضافة خبرة للعمالة السعودية الشابة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تاريخ أسرة ال جوهر

‎حي العيوني - سكنة عائلات قيادية

قصرك عقلك ..